اللي بنى مصر كان في الأصل أهلاوي "2"



في الحلقة الأولى من حلقات "اللي بنى مصر كان في الأصل أهلاوي" تحدثنا عن "كيف كانت مصر وقت تأسيس النادي الأهلي"، وقلنا أنه مع استمرار الاحتلال الإنجليزي وما رافقه من مساوئ، ارتفعت الدعوات لمقاومة الاحتلال، وبدأت عقول وقلوب شباب الوطن تتفتح وتغضب ونبتت زهور الوطنية التي روتها خطب مصطفى كامل لتحرير الوطن، وفكر مصطفى كامل ورفاقه رجال الحزب الوطني في كيفية استثمار ورعاية النبتة الجديدة، وأجمعوا على أن الحل هو إنشاء نادي للمدارس العليا يجمع هؤلاء الطلبة في اتجاه تحقيق هدف واحد.

 

ومن المهم وقبل أن نتحدث عن نادي المدارس العليا، وكيف كان النواة لتأسيس النادي الأهلي، أن نعرف أن النادي الأهلي لم يكن امتداداً لنادي المدارس العليا، أو بمعنى آخر أن نادي المدارس العليا لم يتحول فيما بعد ليصبح هو نفسه النادي الأهلي، وأن نادي المدارس العليا استمر في أداء دوره الذي أسس من أجله حتى تم إغلاقه بأمر السلطات العسكرية البريطانية في أوائل الحرب العالمية الأولى سنة 1914، وذلك بالتوازي مع الدور الرياضي للنادي الأهلي.

 

ويقول المؤرخ الكبير عبد الرحمن الرافعي في كتابه "مصطفى كامل باعث الحركة الوطنية": بدأ التفكير في إنشاء نادي المدارس العليا في أكتوبر من سنة 1905م وتألفت لجنة تأسيسه برئاسة الدكتور عبد العزيز بك نظمي الأستاذ بمدرسة الطب، وبدأت اللجنة في الاكتتاب لتوفير رأس مال بناء النادي وقامت جريدة اللواء بنشر الفكرة وتأييدها وأقيمت حفلات لجمع المال اللازم والتشجيع على المساهمة في الاكتتاب فيه، وقد بلغ ما تم جمعه لتأسيس النادي 281 جنيهاً في نهاية نوفمبر 1905.

 

واجتمعت أول جمعية تأسيسية لنادي طلبة المدارس العليا يوم الجمعة 8 ديسمبر 1905م بأحد قاعات مدرسة الطب لانتخاب مجلس إدارة النادي وبلغ عدد الحاضرين مائتي طالب من مختلف المدارس العليا، وعدد كبير من الخريجين، وأسفرت عملية الانتخاب عن اختيار عمر بك لطفي رئيساً للنادي، وكان من أخلص أصدقاء مصطفى كامل، وانتخب معه كأعضاء عبد الخالق بك ثروت عن خريجي مدرسة الحقوق، وأمين بك سامي وأحمد بك عزي عن خريجي مدرسة المهندس خانة، والدكاترة عبد العزيز بك فهمي وعبد المجيد محمود عن خريجي مدرسة الطب، ومحمد علي دولار بك وعلي حسني المصري عن خريجي مدرسة الألسن والمعلمين، وإسماعيل أفندي زهدي وأحمد أفندي أمين عن طلبة الحقوق، وحافظ أفندي عفيفي وفؤاد أفندي صدقي عن طلبة الطب، وسامي أفندي عصمت ونجيب أفندي مرتضى عن طلبة المهندس خانة.

 

بدأ مجلس إدارة نادي طلبة المدارس العليا التجهيز لافتتاحه واتخذوا مقرا بالمنزل رقم 4 بشارع قصر النيل بالقرب من فندق سافواي القديم، وافتتح يوم الخميس 5 أبريل 1906 وكان يوم الافتتاح يوما مشهودا حضره أغلب الطلبة والخريجين وبعض رجال الحكومة وعلى رأسهم حسين باشا فخري وزير المعارف في ذلك الوقت ومحمود باشا صدقي محافظ القاهرة ونظار المدارس العليا ووكلائها ومستر ميتشل أنس وكيل وزارة المالية.

 

وألقى عمر بك لطفي خطاب الافتتاح وأعقبه وزير المعارف، وصدحت الموسيقى العسكرية وأعجب الجميع بالنادي ونظامه، وخلال ثلاثة أعوام تضاعف عدد أعضاء النادي، وبعث تأسيسه روحاً من التضامن بين الطلبة والخريجين، فنظموا رحلات ومسابقات وظل يقوم بعمله حتى أغلقته سلطات الاحتلال البريطاني كما سبق القول.

 

كان نادي طلبة المدارس العليا من أعظم مظاهر الحركة الوطنية في تلك الحقبة، ومنه تأججت روح الحركة الوطنية فكانت بمثابة الملهم لأعضائه للقيام بمشاريع جليلة كان لها فضل كبير على الوطن، فقد امتزج فى العمل الوطنى طلابه بخريجيه وتجمع به أعلام الفكر والأدب والعلم والقوا فيه المحاضرات في مختلف العلوم والفنون، ومن خزانته الوطنية  تأسست جمعية رعاية الأطفال واجتمعت فيه لجنة تأسيس الجامعة المصرية وتأسست مدارس الشعب وقام بالتدريس فيها أعضاء النادي، وفيه نشأ مشروع النقابات الزراعية وتأسست حركة التعاونيات على يد رئيسه عمر بك لطفي، وأصبح نادى الطلبة هو العقل الوطنى الذى تجمع حوله أبطال الحركة الوطنية، ومنه كانت تخرج المظاهرات ضد الإنجليز عند أي حادث وطني، ومنه ظهرت فكرة إنشاء النادي الأهلي للرياضة البدنية.

 

كانت فكرة منتدى طلبة المدارس العليا هي الباعث الحقيقي لتأسيس النادي الأهلي، كما كانت في نفس الوقت الباعث للوطنيين من رجال مصر لتأسيس كيانات اقتصادية وصناعية من أجل استقلال اقتصاد الوطن عن الأجانب، فقد كانت كل المشاعر الوطنية تهفوا إلى الاستقلال، ولمس هؤلاء الرجال ذلك، وعرفوا بحسهم ما يجب القيام به من أجل تحقيق الهدف "الاستقلال"، مستخدمين قدراتهم الفكرية وحماسهم في توجيه المواطنين لما يجب أن يقوموا به دون تعريضهم لأخطار المحتل المألوفة في مثل هذه الظروف.

 

من هؤلاء الرجال من اتجه لتحرير اقتصاد مصر والمصريين، ومنهم من اتجه إلى التجمعات العمالية والزراعية وتنمية مؤسساتها، ومنهم من استقطب الشباب في المدارس، وكل منهم كان نابغة في تخصصه للدرجة التي لم يناقشه المواطنين في توجهاته، وللدرجة التي خلفت لنا تاريخا ضخما الآن.

 

واستطاع أبطال ورجال مصر الأبرار تنفيذ الكثير من المشروعات الوطنية، واجتمع كل هؤلاء على تأسيس النادي الأهلي كنواة لتجمع الشباب المصري في مكان يوحد طاقاتهم ويؤهلهم لما يمكن أن تحتاجه منهم مصر في يوم من الأيام كما حدث في ثورة 1919، وكما حدث من أبنائهم وأحفادهم في 1973.

 

ولدت الفكرة في رأس عمر لطفي بك "رئيس نادي المدارس العليا" لتأسيس نادي رياضي يجمع طلبة نادي المدارس العليا المهتمين بالسياسة وغيرهم من طلبة المدارس لبنائهم رياضياً ويعدهم لتقلد مكانهم في طليعة شباب الوطن الباحثين عن حرية مصر من الاستعمار، فهؤلاء الشباب لابد من مكان يضمهم بعد تخرجهم لتمضية أوقات الفراغ، وحتى لا يمضي كل منهم إلى قريته وينقطع الاتصال بهم عند حاجة الوطن لهم لمواجهة الإنجليز، كانت فكرة إنشاء النادي الأهلي باعثها الوطنية، وآمن بها رجال أوفياء للوطن.

 

فمن هم رجالات النادي الأهلي ورجالات مصر التي أسسته؟، إنهم أنفسهم الرجال الذين كان همهم الأول مصر وتقدمها، فهم رجال مؤسسات وفكر ووطنية، هم رجال دولة بالمعنى الحرفي للكلمة، ماذا نقول حين نعرف أن ثمانية من رؤساء الوزراء كانوا من طليعة مؤسسي النادي الأهلي ورؤساء جمعيته العمومية؟.

 

كان معهم عميد كلية دار العلوم، وكان معهم مجموعة من وزراء مصر، ومحافظيها ومدراء أقاليمها من الشمال للجنوب، ومنهم من أسس لاقتصاد مصر وتمصيره، ومنهم من أسس لحركة التعاونيات في مصر، ومنهم من أنشأ المدارس والأروقة بالأزهر الشريف، ومنهم من أدخل نظم الصحة ورياض الأطفال في مصر، ومنهم من طور منظومة الري المصرية، ومؤلفي الكتب العلمية، ومؤسسي جمعيات الفنون المصرية.

 

هؤلاء الرجال المهتمين والمهمومين بشأن مصر، كانوا وهم يبنون لمصر في بداية القرن العشرين، يفكرون في مستقبلها من شبابها وكيفية بنائهم، ففكروا في كل شيء، فكروا في المؤسسات الاجتماعية والوطنية والاقتصادية والرياضية، فدعونا نتصور معاً، كيف يكون حال كيان اجتمع لتأسيسه رجال كل منهم يبني لمصر وحريتها في مجاله؟.

 

عندما يجتمع أساطين الفكر والاقتصاد والسياسة والقانون والوطنية في مصر لينشئوا ويؤسسوا لكيان كبير كيف يكون؟، عندما يجتمع محمد محمود باشا وعبد الخالق ثروت باشا وحسين رشدي باشا الذين أصبحوا فيما بعد رؤساء وزراء لمصر، مع أمين سامي باشا عميد كلية دار العلوم أو ناظرها كما كان يسمى في ذلك الوقت، وإسماعيل سري باشا وعمر سلطان باشا وعزيز عزت باشا وإدريس راغب بك وأغلبهم تولى الوزارة عدة مرات ومن أشد أنصار مصطفي كامل باشا وحركته الوطنية.

 

عندما يجتمع كل هؤلاء مع عمر لطفي بك رائد حركة التعاونيات في مصر ليلبوا دعوته لتجسيد فكرة إنشاء وتأسيس نادي يجمع الطلبة أعضاء نادي المدارس العليا ليمارسوا نشاطاً رياضياً موازياً لنشاطهم السياسي الوطني في نادي المدارس العليا، ماذا ننتظر من وراء هذا العمل؟.

 

عندما يكون رؤساء الجمعية العمومية للنادي الأهلي هم وزراء المعارف وهم في نفس رجال حكموا مصر من مقعد رئيس الوزراء بها أمثال سعد زغلول باشا وعدلي يكن باشا وحسين رشدي باشا ويحيى إبراهيم باشا وعلى ماهر باشا وأحمد ماهر باشا، ويكون من رؤساء الجمعية العمومية للنادي الأهلي رجل بحجم أستاذ الجيل أحمد لطفي السيد، إذن فهذه قيمة النادي الأهلي.

 

وعندما يجتمع رجال كل منهم دولة في حد ذاته، عندما يجتمع قادة المجتمع المصري ووطنيوه بمختلف أنشطتهم ليؤسسوا لكيان واحد، فلابد أن نعرف وقتها.. سر النادي الأهلي.

 

من هو عمر لطفي بك أول رئيس لنادي طلبة المدارس العليا، وصاحب فكرة تأسيس النادي الأهلي؟، وكيف تجسد ولأول مرة شعار "الأهلي فوق الجميع"، هذا ما سنعرفه في الحلقة القادمة.

 

 

 صورة من كتاب المؤرخ الكبير عبد الرحمن الرافعي "مصطفى كامل باعث الحركة الوطنية"

 

 

للتواصل مع الكاتب:

 

لمتابعة الكاتب عبر الفيس بوك

لمتابعة الكاتب عبر تويتر

 

استطلاع الراى


توقعاتك لنهائي دوري أبطال أفريقيا بين الأهلي والترجي
الدوري العام - 2023/2024

الفيديوهات الأكثر مشاهدة خلال شهر
تطبيق الأهلي.كوم متاح الأن
أضغط هنا