يبدأ دوماً الحلم بنفس المشهد، يري نفسه مقاتلاً بدائياُ في جيش يرتسم علي وجوه واجساد مقاتليه نقوش حمراء، إحدي عشر مقاتل وخلفهم شعباً بأكمله، تلقي تدريبه صغيراً علي ايدي ابطال كانوا في يوما ما يقودون هذا الجيش، تعلم منهم انه لا مجال للهزيمه وإن هزمت يجب ان تكون قد قدمت في المعركه ما يجعلك تمشي ورأسك مرفوعه عالياً، لا تحتاج سوي سماع صوت الالاف من وراء ظهرك يرددون اهازيج النصر والحماسه ويعلو صوتهم ليأكدوا ان الروح تُبذل فداءً للكيان لكي ترتمي في احضان خصومك بطيب خاطر باحثاً عن النصر والشرف، ولكن الأمور لم تعد كالسابق ابداً، فالايام دارت واصبح الفتى ذو الملامح الطفوليه الباسمه والعينان الخضراوتان البريئه هو نفسه قائد جيش الكيان الأحمر، الرجل الثلاثيني ذو الذقن الكثيف الذي يصيح في جميع من حوله محدقاً بغضب في اعين زملائه قبل منافسيه .. نعم هو، حسام غالي كابتن النادي الأهلي.
البعض يولد لكي يلعب كرة قدم ولكن قله من هؤلاء يبقوا بمحاذاة خط الوسط في أرض الملعب و كان هذا المركز لا يعترف به اصحاب المواهب و الفطره الكرويه، الا ان الكابيتانو فضل هذا المركز الذي قلما تجد به لاعب بامكانيات حسام غالي، برز نجم حسام غالي مبكرا في نادي مدينته بيلا فانضم للاهلي في عامه الخامس عشر تدرج بصفوف الناشئين وصولاً للفريق الأول، من السهل أن تلاحظ ان هذا الناشيء سيكون لاعباً كبيراً، لاعب خط وسط سريع مهاري يمرر تمريرات حاسمه يكشف الملعب بنصف عين يمرر للاعب لا يراه سواه، عصبي المزاج سريع الانفعال كشاب تحمل المسئوليه مبكراً، مرر الكره بين قدمي جوارديولا، تلاعب بدفاع ريال مدريد، كانت مساله إحترافه منطقيه للغايه، ذهب به طموحه للدوري الهولندي وساعدته امكاناته للعب بالدوري الانجليزي، و اطاحت به عصبيته للدوري السعودي و في كل فريق كانت هناك حكايه يحفظها متابعي الكره جيداً ثم عاد حسام غالي للاهلي كقائد للفريق ولكن لم تكن الأمور كالسابق.
اصبح العبء ثقيلاً فهو الان اخر الفرسان الحمر، لم يعد سريعا ً كالسابق إلا ان السنوات اكسبته دقه غير هينه، انت الان القائد، ولكن الامر ليس بهذه البساطة، أكثر من مقاتل استثنائي ترك مكانه، لم ينشأ معظم المقاتلون الجدد داخل جدران الكيان الاحمر كما كان، غاب الشعب وغابت معه الاهازيج التي تزرع داخل مقاتليه الجدد قيمه الكيان، اصبح لزاماً علي القائد أن يصيح في الجميع مذكراً إياهم قيمة ما يدافعون عنه، أن يكون قائد ومعلم وجندي، ذلك هو الامر الذي لا يراه الكثير، يتهمونه بالغرور وانه يصيح في الجميع غير مبالي لمشاعر أحد، يعنف هذا ويسخر من ذاك، الجميع يرددونها دون فهم، هذا الرجل يفتعل الازمات، إن عصر قيادته هو العصر الاكثر اضطرابا داخل جدران الاحمر، ولكنه يصم اذانه عن الجميع، من يريد ان يحل مكانه فليتفضل، اما هو فسيفعل ما تعلمه، سيبذل أخر نقطة دم من اجل الكيان، ويجب ان يعرف الجميع ذلك، إن عيناه تراقب الجميع ولن يسمح باي تهاون في قيمة الكيان، لن تتساقط هيبة الأحمر وهو يحمل شارة قيادته، لقد مر بالكثير الذي يجب ان يتعلموه، يوماً ما سيشكروه علي كل ذلك.
"مش هسيبك غير و انت احسن لاعيب في مصر" أولي كلمات حسام غالي للاعب الاهلي الجديد صالح جمعه.
في أكثر من موقف لقطت الكاميرات تعنفه الزائد لاحد اللاعبين الصغار، يشير بيديه الي رأسه في إشارة بان الذي أمامه بدون عقل، يخبئ فمه بيده وهو يصيح في وجه احدهم، ينفعل و يوبخ بل و يتحول لشخص اخر احياناً ثم يهرع الجميع بعد المباراة نحوه لكي يكون الرد انه لم يحدث شيء من الاساس، ونفس الرد عند كل اللاعبين.
الرجل الذي رمي بقميص توتنهام في وجه مارتن يول اعتراضاً علي تبديله في احدى مباريات البريمييرليج - الدوري الذي يحلم الجميع اللعب به - اصبح يعنف لاعب لم يتجاوز الثامنة عشر لوقوفه علي الكره وهو فائز بفرق هدفين، بين هذا المشهد وذاك تكونت اسطورة الكابيتانو، الرجل الذي نضج تماماً فوجد نفسه مسئول عن فريق مازال في مرحلة التكوين، فريق يخلف أخر كان يضم ما لا يقل عن خمسه لاعبين من علامات الكره في مصر منذ نشأتها، التغيير سنة الحياه ولكن هذه السنه لا يعترف بها جماهير الاهلي، كل مباراة بطوله و كل بطوله واجبه، فكان لزاماً علي الرجل ان يضحي بنفسه من اجل الفريق، يندفع نحو الكره غير ابه ان كانت راسه اقرب لها أم قدم المنافس، يعنف اللاعبين في التدريبات غير ابه بالبعض الذي يؤكد ان نصب نفسه رئيس النادي وليس كابتن فقط، كل ما يهمه فقط هو مصلحة الأهلي حتي وان هاجمه البعض يومياً و لم يفهمه، الرجل لا يهتم بمجد شخصي فقد حظي به منذ زمن بعيد، يريد ان يسير كل شيء كما ينبغي، ولكن مره واحده جاء الخطأ منه شخصياً، الفريق في طريقه للهزيمة، الكره تبتعد قليلاً يحاول اللحاق بلاعب الخصم، تزاحم علي الكره تشاهده مئات المرات في الملاعب لا يرتقي ابداً ان يحتسب مخالفه ولكن الحكم كان يرى شيء أخر، احتسب الحكم مخالفه ومعها فلتت اعصاب غالي، أشهر الحكم الكارت الاحمر في وجهه، خلع شارة القيادة لكي يسلمها قبل مغادره الملعب، كان يلعن الظلم ويلعن الحظ ويلعن الظروف، لم يتمالك نفسه فقذف بالشارة بعيداً، كان الرد قاسياً عليه، جُرد من شارة قيادته.
"دي روح الفانله الحمرا اللي اتربينا عليها" حسام غالي متحدثاً عن كره زحف لها براسه قبل قدم المنافس.
تتابعه العيون اينما سار، القائد جرد من شارته، ينتظرون رد فعل لما حدث، ينتظرونه غاضباً وهو الذي يعنف الجميع و يصيح فيهم كل يوم، ولكنه لم يتحدث في الامر قط، يشعر بحزن دفين لا ينبغي ظهوره كي لا ينفرط عقد مقاتليه، ولكن قد يحدث هذا في مكان اخر، أما داخل جدران الاحمر فالكل يعرف قيمة القائد، الكل يدرك أن كل ما يفعله كان من اجل مصلحة الجميع، سيبقي القائد حتي دون شاره، سيتقبلون منه كل التعنيف الممكن من اجل النصر، يلتفون حوله أكثر، يحبونه حباً يليق بقائد.
ينتهي الحلم المتكرر دوماً عند هذا الحد ولكن اليوم كان مختلفاً بعض الشيء فقد رأى الجميع ينظرون نحوه بسعادة وفخر، لقد عادت له شارته، لم يكن يحتاج لها ولكن علي الأقل تفهم الجميع أن غضبه من أجل الكيان وسيقي من أجل الاحمر، زاده هذا تحملاً للمسئولية نحو نصر جديد ات علي يديه.
افاق الكابيتانو من حلم يراوده من فتره علي رساله نصيه "مبروك، لقد عادت لك الشارة، نتنمى بذل المزيد من الجهد".