بعض حكماء العرب قديمًا كانوا يأكدون بأنه لا أمان لاثنين: الدنيا والمال.. ولكن من حسن الحظ أن هؤلاء الحكماء لم يتابعوا مباريات كرة القدم، وإلا لكان نسر الأهلي ثالثهم.
نسرٌ لا يعرف للاستسلام معنى، يصول ويجول فوق كل عشب أخضر، يجني ما يحلو ولا يحلو له، يستمتع أحيانًا بمتابعة فريسته وهي تسعد بفرحة خادعة، قبل أن ينقض في اللحظة المناسبة ويؤلمها بـ "القاضية".
انتصارات وألقاب اقتنصها الأهلي من رحم الثواني الأخيرة، وسط تأكيدات من الجميع بأن الأمر انتهى، قبل أن ينتفض وينتزع أغلى الأفراح، ولعل "قاضية أفشة" في شباك الزمالك بنهائي القرن لكانت التاج على رأس ملحمات ضربها الأهلي في مطاردة المستحيل.
ويستعرضEl-Ahly.comفي السطور القادمة إحدى تلك اللقطات التي اغتال فيها نسر الأهلي فريسته دون رحمة.
2 يوليو 2007، ستاد القاهرة
مدرجات "التالتة شمال" تكتظ بالجماهير والأعلام الحمراء لمتابعة مباراة قمة لم تعد كذلك، فالغريم لم يعد غريمًا واعتاد على الهزيمة بشكل متتالي، مما أسفر عن تسلل اليأس إلى جماهيره التي لم تكاد تصل أعدادها إلى نصف مدرجات التالتة يمين –تتابع فريقها في انتظار الهزيمة الحتمية-.
الأهلي الذي خاض نهائي كأس مصر بحارسه البديل كما فعل في كل مباريات البطولة بذاك الموسم، سيطر وهيمن على مجريات الشوط الأول.. محاولات من اليمين وأخرى من اليسار لكن جميعها دون جدوى، فالتوفيق حينها قرر أن يدير ظهره للمارد الأحمر، ليبدأ القلق في مساورة الجماهير.
الشوط الثاني ينطلق والجماهير الأهلاوية في انتظار الهدف الأول الذي سيفتح بعده أبواب الاحتفال ومهرجان الأهداف، إلا أن الأمور جرت عكس التوقعات بما فيها جماهير الزمالك أنفسهم.. هجمة خطيرة للأهلي يبعدها عبد المنصف بتسديدة طائشة انفرد من خلالها عمرو زكي بمرمى الأهلي ويسجل الهدف الأول في شباك أمير عبد الحميد وسط دهشة الجميع.
فرحة الزملكاوية لم تدم طويلًا كعادتها، فسرعان ما تمكن الأهلي من إدراك هدف التعادل عن طريق عماد متعب، إلا ان الزمالك عاد ليتمكن من تسجيل الهدف الثاني عن طريق شيكابالا، لتظن الجماهير البيضاء أنها ليلة فك العقدة.
الدقائق تمر ومانويل جوزيه يدفع بكل أوراقه الهجومية من أجل إدراك التعادل بحثًا عن لقب لن يناله الأهلي مُجددًا إلا بعد 10 سنوات تالية.. إلا أنه قبل البحث عن اللقب كان يسعى البرتغالي نحو تكريس السطوة والعقدة على نادي اعتاد على البكاء في كل ليلة يواجهه فيها.
الهجمات تتوالى والتسديدات مستمرة، إلا أنها ذات مرة تمر بجوار القائم وأخرى فوق العارضة وأخرى يجدها محمد عبد المنصف بين يديه.. حتى جاءت الدقيقة 80 التي انفرد فيها أسامة حسني بالمرمى تمامًا إلا أنه سدد الكرة بجوار القائم الأيمن بغرابة شديدة.. ليتأكد الجميع أنها ليست ليلة الأهلي، وتبدأ ميت عقبة في الاحتفال مبكرًا.
الوقت يمر والزمالك يتراجع بكل خطوطه إلى حدود منطقة الستة أمتار بحثا عن تأمين خطف اللقب، فيما تتمسك جماهير الأهلي بالأمل.. واثقةً في نسر لم يخيب ظنها على الإطلاق.
هجمة أهلاوية من منتصف الملعب، تمريرات دقيقة حتى تصل إلى عماد متعب داخل منطقة الجزاء، ومن ثم تمريرة متقنة إلى محمد شوقي الذي أُغلقت أمامه كل المنافذ إلا منفذ واحد، كان يتأهب فيه محمد أبو تريكة لإطلاق قاضيته في الدقيقة 88، بعد تسديدة من الزاوية الضيقة، لتنطلق بعدها الأفراح في التالتة شمال، فيما خرج النحيب من مرمى عبد المنصف والتالتة يمين.
هدف أبو تريكة لم يكن مجرد تسجيل التعادل، بل كان صرخة في وجه المستحيل، وتأكيد أن النسر عقد عزمه على اقتناص البطولة من فم فريسته المفضلة، فحتى عندما تقدم الزمالك في الشوط الإضافي الأول بهدف ثالث لجمال حمزة، جاء الأهلي وسجل هدفين في دقيقتين بالشوط الرابع ليُتوج بلقب كأس مصر للمرة الـ 35.