عاشت جماهير الزمالك طيلة حياتها على احتفالات كان أساسها من وحي الخيال، قد تتعدد الأسباب وراء ذلك ولعل أبرزها أن فريقها دائما ما كان يخذلها، فكانت تلجأ لاحتفالات وهمية يحاولون بها رفع رؤوسهم ولو لأيام قليلة.. فسرعان ما كانت تأتي النهاية سريعًا محملة بكل الكوابيس.
الغريب أن الأمر تطور مع الزمالك بشدة مع مرور الوقت، لا يكتثرون بموقفهم المحرج حقًا والجميع يسخر منهم.. يواصلون كتابة سيناريوهات غير متوقعة تُنمي قدراتهم الكوميدية. يذهبون بعيدًا بشخصية البلياتشو الباكي.. يضحكون الجميع ويبكون هم.
ويحاول El-Ahly.comسرد الاحتفالات الوهمية التي قامت بها جماهير الزمالك على مدار العقود القليلة الماضية... وكلمة يحاول هنا مقصودة تمامًا، لأنه من المستحيل أن نروي تاريخ كامل انفرد فيه الزمالك بكافة الاندهاشات.
1 – الوهم في أعلى تجلياته
لن تكون الحالة التي نعيش فيها الآن مفاجئة إن عدنا بالزمان إلى الخلف لنجد رئيس الزمالك يدور بكأس وهمي تم شراؤه من إحدى الباعة الجائلين رفقة لاعبي فريق اليد أمام مدرجات جماهيرهم، احتفالًا بلقب تُوج به النادي الأهلي.
2 - انكسارات في الـ 90 دقيقة
في الحقيقة لا نعلم من أين نبدأ سرد تفاصيل حكاية عمرها أكثر من 109 عامًا تدور أحداثها عن أفراح البدايات وألم النهايات في مباريات القمة، هل عندما ضرب محمد بركات أهازيج الجماهير البيضاء في المدرجات في مقتل بالهدف الثالث عام 2010، أم اشتعلت الأفراح في ميت عقبة بهدف حسين ياسر في الثانية 50 بكأس مصر قبل أن يقتلها شريف عبد الفضيل ومحمد فضل وأبو تريكة بثلاثية مميتة.
هل نبدأ بهدف دومينيك دا سيلفا في شباك عبد الواحد السيد عام 2011 في الدقيقة 82 والذي أشعل النار حرفيًا في قلوب البعض بعد احتفالات انطلقت من الشوط الأول، لدرجة دفعت حسام حسن للتوجه إلى مانويل جوزيه في مشهد غير رياضي أو معتاد في كرة القدم ؟ أم نبدأ بالثقة والاحتفالات المبكرة التي قتلتها سداسية يحلم كل زملكاوي بمحوها منذ 2002 ولا يستطيع ؟
هل نبدأ بالهدف المبكر في دور المجموعات بدوري أبطال إفريقيا من عمر جابر الذي انطلقت معه الاحتفالات الصاخبة، ليرد عليه الأهلي برباعية موسيقية ؟ أن نبدأ بتقدمهم في ركلات الترجيح بالسوبر عام 2014 بهدفين دون رد ويستعدون للفوز الأول على المارد الأحمر من 7 سنوات، إلا أنهم فوجئوا بأن الكأس في يد لاعبي الأهلي ؟
بكل تأكيد يظل ما فعله أسامة حسني رفقة أبو تريكة وعماد متعب في كأس مصر عام 2007 هو واحد من أصعب المشاهد التي تراكمت فوق بعضها حتى أوصلتنا لهذه الحالة التي نحن عليها حاليًا.
3 – الأوهام خارج ميت عقبة
جماهير الزمالك عاشت صعوبات كثيرة هذه حقيقة، تخيل عندما تيأس من فريقك وتتجه نحو فرق أخرى لتشجيعها من أجل إسقاط منافسك.. ولكن تقسو عليك الحياة أيضًا، وينجح هو في إسقاطهم وجعلهم يجاورنك في خانة "الفشل".
تنقلت وترحلت جماهير الزمالك بين كل مدن ومحافظات مصر من أجل إسقاط الأهلي، لعل كان أبرزها في عام 2009، عندما قامت بتشجيع الإسماعيلي في كل مبارياته لعله يتوج بلقب الدوري وينهي سيطرة الأهلي.
الأمر لم يتوقف حينها عند تشجيع اللون الأصفر وكأنهم من أبناء المدينة ونسيان اللون الأبيض، بل تطور لما هو أبعد من ذلك، حيث اعترف قائد ونجم الزمالك ضمنيًا أن فريقه تعمد السقوط أمام الإسماعيلي والخسارة أمامه 3-1 قائلًا :"ايه الدافع عند اللاعيب اني اموت نفسي عشان الأهلي ياخد الدوري؟".
ظلت جماهير الزمالك تحلم بخروج درع الدوري من الجزيرة لا لأن يتوجه إلى ميت عقبة بل إلى الإسماعيلية، ولكن سرعان من انتهى الحلم سريعًا كالعادة.. وأبى الدرع أن يغادر أروقته المفضلة بين بطولات وألقاب المارد الأحمر.. وسط حسرة بيضاء فاقت حسرة الأصفر.
مشاهد قمصان الزمالك في مدرجات الفرق المواجهة للأحمر أصبحت أمرًا اعتياديًا مع الوقت، أمام الإسماعيلي في نهائي الكأس 2003 أمام المصري في نهائي كأس 2017 وغيرها وغيرها.. ولكن ظلت الفرحة والحسرة يعرفان طريقهما جيدًا.
الأمر لم يتوقف عند البطولات المحلية.. بل تطور ووصل إلى القارية أيضًا، وهذا كان أشد ألمًا، فالغريم التقليدي يُتوج بلقب دوري الأبطال الثالث والرابع والخامس والسادس والسابع والثامن وأنت في كل مرة تكتفي بمشاهدته وهو على منصة التتويج بعدما ودعت البطولة من الأدوار التمهيدية.
السخرية تنهال من كل صوب وحدب بعد تعادل إيجابي أمام الصفاقسي في القاهرة عام 2006، قبل أن يطلق أبو تريكة قذيفته التي دمرت أبراج الاحتفال في ميت عقب قبل أن تصل إلى مدينة صفاقس.
هل يتوقفوا ؟ هل يدركون أن الأهلي لا تأمن سلمه ؟ لا، يكررون الأمر ذاته بعد تعادل إيجابي في القاهرة أمام الترجي عام 2012، قبل أن ينتزع جدو ووليد سليمان اللقب من قلب رادس.. لا ففي الحقيقة كان الانتزاع من قلب كل ما هو أبيض.
4 – كانت في ايدك .. وتقسم لغيرك
صعوبات تلو صعوبات.. هكذا هي الحياة في البيت الأبيض بميت عقبة، فعندما يبدأون في فتح أدراج دولاب بطولاتهم لاستقبال لقب يأتي بعد غياب طويل يجدونه قرر السير لعدة أمتار أخرى ويقتحم أبواب الجزيرة.
في الموسم الماضي أيقن جماهير الأبيض أن لقب الدوري قرر أن يحن لهم، احتفالات طيلة الموسم، سخرية على وضع الأهلي الذي كانوا يأكدون أنهم لا يريدون هبوطه.. تحققت الأمنية، لم يهبط.. لم يهبط فحسب، بل تُوج باللقب وهو في أيديهم.
ينكرون بقوة أن الأهلي قادر على تحقيق المستحيل، لا يصدقون أنه سيأتي من أقصى الجنوب منقضًا كالأسد لالتهام فريسته المفضلة.. طارق حامد يسدد صاروخية في شباك الجونة اعتلت بعدها ابتساماتهم الخبيثة وكأنهم يقولون اللقب في ميت عقبة.. ابتسامة لم تدم سوى دقائق معدودة لتتحول إلى بكائيات جديدة تتصدرها عناوين (ايه الغل ده ؟).
على الرغم من قساوة المشهد السابق إلا أنه كان عاديًا، عاديًا لأنه غير جديد، فقبلها بسنوات قليلة نجح الأهلي في اقتناص اللقب بعدما كان يؤكد حسام حسن أن الأهلي في المركز الخامس ولا ينافسه من الأساس على اللقب، بل أنه أسعد سعيد بعودة مانويل جوزيه كي يحطم أسطورته.. بالفعل هناك من تحطم.. لكنه لم يكن البرتغالي، بل كانت قلوب بيضاء وثقت في الوهم.
المشهدين السابقين كانا مجرد حلقيتن في سلسلة طويلة من التهام الأهلي لرزق الأبيض من البطولات، إلا أن الأمر لم يتوقف عند الأحمر فقط، فإنبي فعام 2011 لم يكن رحيمًا أبدًا بـ 80 ألف متفرج من جماهير الزمالك جاءوا للاحتفال بكأس مصر.. ولكن كالعادة، الاحتفالات انتهت ببكاء أثار هذه المرة شعور الأهلاوية قبل أي جمهور آخر بالشفقة.
5 – الصفقات
حوّلت جماهير الزمالك بعد فشل فريقها في تحقيق انتصارات بأرض الملعب ملف الصفقات إلا بطولات، فعندما نحصل على صفقة من الأهلي سنضعها ضمن دولاب الألقاب والكئوس.. هذا هو لسان حالهم.. فهل أنصفهم هذا الملف أيضًا ؟؟
كالعادة، الكوابيس تحاصرهم.. يضمون إسلام الشاطر ويشارك معهم في مباراة ويجدونه في المباراة التالية يرتدي قميص الأهلي ؟؟ يتحدثون مع مؤمن زكريا ويؤكد لهم أنه "في ميت عقبة يا كابتن"، على الرغم من أنه في منزل علاء عبد الصادق.
يبحثون عن إيفونا في كل مكان بالمغرب ويجدونه في التتش، وحسين علي، لاعب بتروجت الذي أكدت الصحف يوم الخميس أن الزمالك حسم صفقته، قبل أن تعود يوم الجمعة وتعلن أنه في الأهلي بشكل رسمي.
النهاية....
ندرك عزيزي القارئ السبب وراء ما نحن فيه الآن، هي مجرد آلام .. قسوة الحياة .. طعنات، جعلت العقل يشرد ، يصعب عليه الواقع فيتوجه إلى الخيال ، لا يستطيع الاحتفال بلقب في يده ، فسيتحفل بألقاب غيره.. وليس أمامنا سوى الشفقة.