في البدء كان العنف .. لكرة القدم تاريخ طويل من الفوضي



"هل كان هناك هجوم ارهابي؟! ما الذي حدث هنا؟!

فقط فريق توتنهام كان في المدينة الليلة الماضية".

 

ماذا نعرف عن العنف في كرة القدم؟

 

يستطيع اي عاشق او متابع لكرة القدم ان يخبرك عن كل تلك الاحداث العنيفة التي قد نراها في ملاعب المستديرة وكيف كانت وستظل ظاهرة العنف في اللعبة هي احد الظواهر التي تعتبر جزء من جوانبها، بالطبع حشد الجماهير لا يمكن السيطرة عليه وربما تتضمن مباريات الكرة احداث عنف، حسناً فلنتحدث قليلاً عن ذلك.

 

في البدء كان العنف .. عندما تم منع الكرة بمرسوم ملكي

 

"بسبب الفوضي الكبيرة التي قد ينهض منها الشر وهو ما يحرمه الله، نأمر ونمنع بأسم الملك، وسيلاقي اهوال السجن من لعب تلك المباريات بالمدينة في المستقبل"

 

تمتد جذور العنف في ملاعب كرة القدم الي سنوات وسنوات مضت، قبل حتي اختراع اللعبة تقدم بعض التجار بشكوي الي الملك بسبب ما تسببه لعبة في ازمات وعنف كبير بين القري المتجاورة، فما كان من الملك ادوارد الثالث الا ان اصدر مرسوماً ملكياً يمنع به اللعبة ضمن بعض النشاطات داخل لندن، في عام 1349 توقفت اللعبة حتي قبل ان تبدأ بقرون، حضر العنف حتي قبل كرة القدم نفسها.

 

لم تكن كرة القدم التي نعرفها الان بالطبع كانت لعبة مزعجة بها الكثير من الفوضي ولكن في المحصلة النهائية كانت هي الشئ الاكثر انتشاراً بين العامة، وعلي عكس الرغبة الملكية كانت كرة القدم بشكلها في ذلك الزمن منتشرة حتي اكثر من الرماية التي كانت اللعبة الأهم لحسابات عسكرية نظراً لاهمية الرماة في الحروب.

 

ولم يكن الملك ادوارد الثالث هو الوحيد الذي وضع كرة القدم ضمن المحرمات، توالت المراسيم الملكية لمنع اللعبة التي تميزت بعدم النظام والفوضي حتي وصفها المواطنون في مدينة مانشستر الانجليزية بأنها تلعب بمجموعة من المواطنين الخارجين عن النظام في القرن السادس عشر.

 

نعم يبدو ان حتي العنف اقدم من اللعبة!

 

"اصابة 30 مشجع في احداث العنف المتبادل بين المنتخب الروسي والمنتخب الانجليزي قبل مباراة المنتخبين في كأس الامم الاوروبية 2016"

 

ثم جاء الهوليجانز ..

 

كانت اول بوادر ظهور الهوليجانز تعود الي عام 1885-وبالطبع- في انجلترا، حيث يعد حادث مواجهة بريستون واستون فيلا الأكثر عنفاً في اواخر القرن التاسع عشر في المباراة "الودية" التي انتهت بفوز بريستون بخماسية نظيفة علي استون فيلا لتنطلق المواجهات بين الجماهير بالحجارة والعصي ليسطر تاريخ الهوليجانز، المرض الذي اجتاح اوروبا وضرب الجميع، ولم ينجو منه حتي كبار السن، فلم تكن تلك الظاهرة حكراً علي الشباب المتحمس فقط، ففي عام 1905 وفي احداث عنف لجماهير بريستون ايضاً عقب صدام عنيف مع مشجعين لفريق كوينز بارك رينجرز تم اعتقال سيدة في الـ70 من العمر لمشاركتها  في العنف بين الجماهير وهي مخمورة.

 

" نحن لا نهرب، عندما تكون معنا عليك ان تقف ثابتاً في مكانك وتقاتل".

 

كان من الواضح ان كرة القدم بالنسبة لاعضاء روابط الهوليجانز لم تكن اللعبة والمباراة واللاعبين، لم تكن فقط التشجيع والتهليل، بل كانت عن العنف ايضاً، نعم ما يراه مشجع كرة القدم المعتاد احد الظواهر الجانبية بالنسبة للهوليجانز هو هدف وغاية، عليك ان تقاتل، القتال جزء من اللعبة.

 

ان يمتلك اي فريق في العالم قاعدة مشجعين هذا هو الامر الطبيعي في عالم كرة القدم، ولكن في تلك الحقبة الزمنية في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي كان الغريب والعجيب هو الا تمتلك رابطة من الهوليجانز تحت مسمي او اخر.

 

في انجلترا امتلكت اغلب الاندية تلك الروابط من المشجعين الاكثر عنفاً وخروجاً عن النص، لم يكن التشجيع فقط هو ما يميز الهوليجانز او الصخب بالمدرجات، بل المعارك الدامية في كل مباراة هو عنوانهم الرئيسي.

 

فمن الجيش الأحمر الخاص بمانشستر يونايتد الي القطيع الخاص بالمدفعجية وصائدي الرؤوس المساندة لتشيلسي وفريق الانتحاريين الخاص بفريق بيرنلي كانت المواجهات بين تلك الروابط اقرب الي حرب منظمة مع رغبة غريبة في البطش بالمنافسين امتلكت عقول افراد الهوليجانز.

 

"بمجرد ان تنال بعض اللكمات وتدرك انك لست مصنوعاً من زجاج، لن تشعر بالحياة الا وانت تدفع نفسك في ذلك الطريق حتي النهاية".

 

اكثر من 25 حادث سنوياً يقع بين افراد روابط الهوليجانز المختلفة سنوياً منذ ستينيات القرن الماضي، بالتدريج وصل الخطر الي ذروته وازداد العنف وضوحاً وقسوة.

 

1974-1978 .. كرة القدم والجنون

 

في منتصف السبعينيات جلس الجميع يشاهد ازدهار الظاهرة، الهوليجانز الان هم اباطرة الملاعب، نعم لم يعد هناك ما يخيف هؤلاء، الجميع في خطر، كرة القدم لم يكن عنوانها الاول هو المتعة، لم تكن الاخبار عن تفوق احد الاندية علي الاخر بل كان الهوليجانز، دائماً كان الهوليجانز هناك.

 

مع هبوط فريق مانشستر يونايتد في عام 1974  الي الدرجة الثانية قرر الجيش الأحمر معاقبة الجميع، انجلترا علي صفيح ساخن "Red army" لم يرحم احداً، ولم يكن مشجعي اليونايتد فقط، فهاهو احد افراد هوليجانز فريق بولتون يطعن احد الاطفال المشجعين لفريق بلاكبول في مباراة بدوري الدرجة الادني.

 

اندفع المئات من الجماهير في ديربي لندن بين توتنهام وتشيلسي واشتبكوا في معركة دامية علي ارض الملعب عندما ارسل السبيرز البلوز الي الدرجة الثانية في احد اكثر الحوادث دموية في فقرات الهوليجانز علي الأطلاق.

 

ولم تكن تلك الاحداث الابرز فقط فنزول المشجعين الي ارض الملعب لم يكن الحدث العارض الذي نظنه، بل كان معتاداً، ففي مواجهة نوتنجهام فورست ونيوكاسيل يونايتد اندفعت روابط هوليجانز الفريقين الي ارض الملعب وكاد عدد منهم ان ينهي حياة لاعب خط وسط نوتنجهام.

 

وبالطبع انتقلت المعارك الي الساحات الاوروبية وانهالت العقوبات علي الاندية الانجليزية، في هذا الحادث ليدز يونايتد وفي ذاك مانشستر يونايتد، الهوليجانز امتلكوا الملاعب ولم يعد يخيفهم احد.

 

" لم اشعر بتلك الثقة من قبل، شعر الناس بثقتي في نفسي من علي بعد اميال، اما العنف لكي اكون محقاً لقد شاهدته ينمو في داخلي"

 

وكان الناتج الطبيعي لكل ذلك سقوط الضحايا، ومع زيادة التوتر في المباريات الكبيرة، كان لابد من وجود ثمن، في الديربي اللندني بين المدفعجية والهامرز اسقطت الموجهات قتيل في صفوف الجماهير، ولم يكن الضحية الأخيرة، ولكن ما جاء بعد ذلك دفع مارجريت تاتشر الي عقد مجلس الحرب لمواجهة الهوليجانز، نعم وصلت الامور الي ذلك الحد بعد ان ازدادت المواجهات شراسة ودموية بصورة لم يعد الصمت والتجاهل يجدي معها.

 

"حسناً في الاساس نستطيع ان نقول ان تلك الروابط هي عبارة عن عصابات بشكل ما، ولكننا بعيدين عن حروب الدماء الحمقاء تلك، لا نقوم باطلاق الاسلحة الرشاشة علي السيارات المتحركة والاطفال، ولكن المعارك تكون للحفاظ علي السمعة التي نكتسبها ومن اجل اذلال رابطة اخري، من اجل ان تقوم بعمل شئ مبهر يجبر الروابط الاخري على ان تتحدث عما قمنا بفعله".

 

مأساة هيسيل:

 

مع السقوط العنيف محلياً والعديد من العقوبات اوربياً كان الجميع بأنتظار كارثة من هوليجانز انجلترا، جاءت كارثة هيسيل لتهز اركان اوروبا، 39 من مشجعي اليوفنتوس في مباراة كرة قدم امام فريق ليفربول فقدوا حياتهم ثمناً لهجمة شرسة من هوليجانز الريدز اجتاحت خطوط الأمن لتندفع نحو جماهير السيدة العجوز وعندما حاول جماهير الفريق الأيطالي الهرب انهار الحائط عليهم لينهي حياة 39 منهم وعلي هذا عاقب الاتحاد الاوروبي الانجليز، لخمسة سنوات سترتاح اوروبا من جنون الهوليجانز القادم من بريطانيا، الويفا وضع نهاية للمهزلة في اوروبا، او هكذا ظن الجميع.

 

لم يدرك الجميع ان المرض انتشر في باقي اوروبا، هوليجانز الانجليز كانوا الاكثر انتشاراً وقد يكون نشاطهم هو الاعنف في انحاء القارة العجوز، ولكن لم يعد الامر عنهم فقط تطور الامر ووصل الي كل انحاء اوروبا وفي وقت مبكر ايضاً لكن الظاهرة لم تأخذ الشكل الانجليزي الاكثر تطرفاً وعنفاً، ولكن بالتدريج ظهرت روابط الهوليجانز في مختلف الدول الاوروبية يوغسالفيا، ايطاليا، وعلي سبيل المثال تركيا التي في احد حوادث العنف الرياضي بها بعد مباراة بين قيصره سبورت ونادي من مدينة سيافز اندلعت مواجهات دامية بالاسلحة النارية والسلاح الابيض والزجاجات اسفرت عن مقتل 42 مشجع في كارثة كبيرة، في ايطاليا حاولوا التفوق علي النموذج الانجليزي، في يوغسالفيا لم يكن الامر مقتصرا علي الكرة وكان هناك ابعاد سياسية في العنف الخاص بكرة القدم، الظاهرة لم تكن في انجلترا فقط، تسرب المرض فضرب الجميع.

 

في ايطاليا رغم ظهور الهولجيانز كأمتداد للظاهرة في بريطانيا الا ان الجمهور الايطالي لم يستمر كثيراً بنفس المنوال، العنف نعم كان هو الاساس ولكن بالتدريج تطورت تلك الروابط بشكل واضح واصبح التركيز الاكبر علي المدرجات، ولدت صغيرة وصعدت كثيراً وغيرت الاجواء في اوروبا، الالتراس قد جاء زمنهم.

 

الالتراس:

 

بالفعل اثبتت التجربة ان حتي العنف من الممكن ان يتطور، في الثلاثينات والخمسينات ظهرت روابط التشجيع تحت مسمي الالتراس في امريكا الجنوبية، فتلك الكلمة اللاتينية التي تعني "التطرف" اصبح لها شكلاً في مدرجات كرة القدم وعلي ارض الواقع، تواجدت روابط الالتراس علي استحياء في ايطاليا ولكن الهوليجانز خطفوا الاضواء من الجميع، لم تكن موجة العنف التي بدأت في بريطانيا تسمح لاي شكل اخر بالظهور، فظل الهوليجانز علي السطح كثيراً ولكن في ايطاليا رغم وجود ظاهرة الهوليجانز الا ان الوقت واساليب الجماهير في التشجيع سهلت الطريق من اجل ظهور وصعود الالتراس هناك، ومن ايطاليا ازدهر وانتقل الي باقي اوروبا.

 

لم يختف العنف بالطبع، اصبحت كرة القدم ترتبط بالعنف ولكن بالتدريج ومع صعود الالتراس الي الواجهة بدأت حدتها في الانحصار وزادت الانشطة الخاصة بتلك الروابط في المدرجات، التشجيع والشعارات ومختلف الاشكال التي ابتكرتها عقليات التشجيع وتطورت في المدرجات ودمج الايطاليين طريقة التشجيع بالطبول القادمة من امريكا الجنوبية، مع فلسفة الوشاح التي كانت في انجلترا ومع العديد من الاشكال الجديدة كالالعاب النارية واشكال الشعارات المختلفة، نهضت قوي جديدة في اوروبا، تواجدت منذ سنوات لكنها تطورت اكثر في ايطاليا لتمتد لباقي اوروبا.

 

بقيت فلسفة الهوليجانز راسخة بقوة حتي ثمانينيات القرن الماضي بل والتسعينيات ولكن لم تكن وتيرة الاحداث علي نفس القوة، انحصرت الحدة بشكل كبير ولكن مع تواجد العديد من الحوادث الناتجة من عنف الهوليجانز في المانيا وتركيا واليونان واستمرت حتي ظهرت في كاس العالم 98 الذي اقيم في فرنسا عندما اعتدي مجموعة من مشجعي الماكينات علي ظابط فرنسي حتي وصلت الاعتداءات الي اصابة الشرطي بتلف في المخ، في فرنسا ايضاً العداء بين الجنوب والشمال، باريس سان جيرمان ومارسيليا، في كرواتيا، وبولندا التي كانت ومازالت تعد ثاني أكثر الدول الاوروبية في عنف الملاعب وسابقاً كانت موطناً اصيلاً للهوليجانز وكانت حوادث الروابط هناك هي الاكثر عنفاً بعد بريطانيا.

 

بالتدريج انتقلت الظاهرة التي نشأت وسط سطوة الهوليجانز في ايطاليا وتطورت وطغت الي الدول الاوروبية الاخري وتطورت معها المدرجات وانحصرت ظاهرة الهوليجانز مع الايام والسنوات التي تمضي علي كرة القدم، بقي العنف بالطبع وبقيت ثقافة الهوليجانز التي حكمت كرة القدم في اوروبا لسنوات وعقود ولكن في النهاية اصبحت تلك الظاهرة تاريخا لا يظهر الا في مناسبات علي استحياء، وان ظهرت علي الساحة في فرنسا بكاس الامم الاوروبية الماضية في عدد من المباريات ولكن لم تكن بذلك العنف المعروف عن الهوليجانز في فترات منتصف واواخر القرن الماضي.

 

مضت ايام الهوليجانز وجاء الالتراس بديلاً، تمتع بالكثير من المشاهد الجميلة في المدرجات، لم ينس العنف تماماً ولم تختف الظاهرة بشكل كلي ولكنها لم تعد تلك الظاهرة المرعبة التي عانت منها اوروبا بشكل روع الجميع منذ سنوات مضت، لان ما قدمه الالتراس في المدرجات باوروبا كانت تطور في عقلية المشجع، لم يكن القتال هو جزء لا مفر منه كالهوليجانز بالطبع لكنه تواجد، فلا يمكن ان تنصاع احد مجموعات الالتراس لمنافسها بدون رد، ولكن في اغلب الاحيان اقتصر الرد بالاشكال والدخلات في المدرجات، وان تطور الي خارج ذلك كانت حوادث قليلة ولم تكن بقوة الحوادث التي تورط بها الهوليجانز سابقاً.

 

وبدورهم كرواد في العنف بكرة القدم، لم تجد روابط الالتراس مساحة كافية عند الانجليز، فمع تأثر الكثير من جماهير الدول الاوروبية بقي المشجع الانجليزي بعيداً عن التأثر بظاهرة الالتراس فلم تجد طريقها الي ملاعب الانجليز ولكن في النهاية وجد الهدوء طريقاً ولم يعد هناك من نشاطات الهوليجانز في اغلب الاحيان الا تلك القصص التي يراجعها الجميع، اصبح ذلك جزءاً من الماضي.

 

"علمتني حياة بيتي دينهام ان هناك وقت لابد وان تقف وتقاتل، وعلمني موته ان هناك وقت لابد وان تترك كل هذا ورائك وترحل".

 

في النهاية من المنطقي ان نشير الي ان العنف جزء من كرة القدم، مجموعة من المشجعين المتحمسين لابد وان يخرج بعضهم عن النص، ولكن في مصر علي سبيل المثال يقومون بجلد الجماهير اعلامياً، في ظل كل تلك الاحداث والتاريخ المرعب والدامي للعنف في كرة القدم لم تستمر اللعبة بدون الجماهير وبقي دور الجماهير متواجداً رغم كل تلك الاحداث، لم يختفي الجمهور لسنوات وسنوات مثل الوضع في مصر، الاعلام المصري يتحدث عن العنف وما نراه من الظواهر السلبية من الجماهير رغم ان التشجيع في مصر لم يمر بتلك المراحل المروعة طوال تاريخه الا في حادثتي بورسعيد والدفاع الجوي، ولنكن منصفين لم يكن للعنف الخاص بكرة القدم دوراً اساسياً في تلك الاحداث، وكان للأمر ابعاداً اخري، في اوروبا اختفي العنف تقريباً وبقي الجمهور طوال تلك الاحداث والسنوات، في مصر اعتدنا المدرجات الخاوية، واستمرت اللعبة، ولكن بدون العنصر الاهم بها.

 

فبرغم العنف، من اجل الجماهير فقط تُلعب كرة القدم.

استطلاع الراى


توقعاتك لمواجهة الأهلي ضد مازيمبي بدوري أبطال أفريقيا؟
دوري أبطال أفريقيا - 2024

الفيديوهات الأكثر مشاهدة خلال شهر
تطبيق الأهلي.كوم متاح الأن
أضغط هنا