نقسم البلد نصين!



عندما يشتد النزاع أو الصراع بين طرفين فى بلدنا مصر، ويلجأ الطرفان للتحكيم ـ ليس عن طريق الاستعانة بحكام دوليين بالطبع من لجنة (الغندور) وشركاه ـ ولكن يكون التحكيم غالباً عن طريق المجالس العرفية، أو بوجود أقارب الطرفين أو أصدقاؤهما، ممن يهمهم مصلحة جميع الأطراف، أو على الأقل يهمهم إنهاء الصراع القائم بين طرفى المشكلة، والعمل على عدم تطوره!

وغالباً ما تجد رغبة المحكمين فى إنهاء الصراع، تتلخص فى أن أبسط الحلول هو أن «نقسم البلد نصين»، بمعنى أنه يتعين الوصول لصيغة اتفاق تشتمل على رأى الطرفين.. أى رأياً وسطاً بين الطرفين.. فلو كان الطرفان ـ وعلى سبيل المثال ـ شقيقان يتنازعان على شقة تركها لهما والدهما المتوفى منذ ثمانية وأربعين ساعة فقط لا غير، ويرى كلٌ من الطرفين ـ الشقيقين أن الشقة من حقه، حيث يسوق كلُ منهما مبرراته التى يراها مقنعة جداً بالنسبة له، فى حين يرى أن مبررات الطرف الآخر ـ شقيقه ـ واهية وغير مقنعة لطفل؛ حيث تجد الأول يقول أنه هو الأخ الأكبر، وأنه يرغب فى أن يتزوج وبالتالى هو يحتاج للشقة بشدة لإتمام زواجه على الفتاة التى قام بخطبتها منذ ستة أعوام، كان ينتظر خلالها الفرج، عن طريق شقة يقيم فيها مع زوجته!

بينما يرى الطرف الآخر ـ شقيقه ـ أنه هو الأولى بالشقة، لأنه لم يكمل تعليمه بعد، وأن أخاه الأكبر قد نال قسطاً وافراً من رعاية الأبوين قبل وفاتهما، وقد خطبا له "بنت الحلال" وابتاعا له شبكة قيمة، وسددا له مقدم حجرة نوم وصالون، بينما الأصغر لا زال يتطلع لبداية الطريق، وبالتالى يحق له الشقة!

فى تلك الأحوال يعرض أولاد الحلال على الطرفين أن (يقسما البلد نصين) وبما أنه ليس هناك أى مجال للوصول لصيغة تفاهم تجعلهما يعيشان مسالمين فى مكان واحد، وبما أن كلاً منهما يرفض وجود الآخر فى نفس المكان لأنه يرى أن وجود هذا الآخر ليس له ما يبرره وليس من حقه مطلقاً.. فلا يتبقى هناك من حل إلا التقسيم.. وعندما يقترح أحد المحكمين (أولاد الحلال) على الشقيقين أن يشترى منهما الشقة، ثم يقتسما ثمنها بينهما لينصرف كلٌ منهما إلى طريقه، بعد أخذ نصيبه، ستجد أنهما يرفضان هذا رفضاً قاطعاً لأن الوالد والوالدة قد عاشا حياتهما هنا، وأن الشقة لا تزال تحمل عبق الأيام الحلوة التى لم يراعيها أى منهما عندما فكر فى طرد شقيقه منها، وأن كلاً منهما يحمل أطنان من الذكريات لهذا المكان لذا فهو يرغب فى الحفاظ عليه لنفسه، ليس من أجل امتلاكه فحسب، بل من أجل حماية التاريخ والجغرافيا أيضاً!

ولا يتبقى من حلول إلا تقسيم الشقة (نصفين كما يقول أولاد الحلال) فليس هناك إلا هذا الحل، وبالتأكيد سيقابل الطرفين الكثير من المشاكل، فمَن منهما سيمتلك المطبخ؟ ومَن سيستطيع الاستغناء عن الحمام؟ وهل من الممكن عقد ميثاق شرف بحيث يضمن كل طرف للطرف الآخر استعمال المرافق التى تقع داخل نطاق سيطرته بدون التعرض له بمكروه؟ بمعنى أنه عندما يمتلك أحدهما الحمام ويمتلك الآخر المطبخ، فهل يقبل كلاً منهما بميثاق الشرف الذى يقضى بعدم منع الآخر من استعمال الحمام فى أى وقت يشاء؟ وبالتالى يضمن هذا الآخر ألا يمنعه الأول من استعمال المطبخ وأدواته فى أى وقتٍ يرغب؟ وما هى الضمانات لعدم قيام أى طرف بالإخلال ببنود الاتفاق؟ وهل من الممكن هندسياً (وعلى الرغم من حالة المنزل المتهالكة) أن يقوم كلٌ منهما وبعد إقامة السور الفاصل فى الشقة وتقسيمها، ببناء حمام خاص به بالنسبة لصاحب المطبخ، وبناء مطبخ خاص به بالنسبة لصاحب الحمام؟! ومن أين يحصل أى منهما على التكاليف الخاصة بذلك وهما مفلسان؟!

حسناً.. أعتقد أن المقدمة قد استولت على الموضوع بأكمله، ولكن الموضوع باختصار لمَن لم ينتبه لمقصدى (وأخشى أن أكون قد أسهبت كثيراً فى فرعيات) خاصة بنادى الزمالك، فكل يوم يخرج علينا قرار خاص برئيس النادى، فهذا هو الرئيس الشرعى المنتخب، ثم هذا هو الرئيس الحقيقى المعين، ثم يقوم المنتخب برفع قضية، ويكسبها، فيعود للنادى، ثم قرار آخر بعودة المعين، ثم ثالث بعودة المنتخب وتمكينه من العين محل النزاع!

وكلٌ منهما يمتلك من الأدلة والبراهين والمساندين والمؤيدين ما يكفيه للحصول على نصف النادى، وبهذا فيمكننا اختصاراً للوقت والجهد والتعب والصراع والتفكير والقضايا أن (نقسم البلد نصين).. فيتم تقسيم النادى لقسمين، قسم برئاسة (المحامى) وقسم برئاسة (السيد الصحفى).. وعلى مَن يرغب من الأعضاء فى الانضمام لهذا القسم فأهلاً ومرحباً به، وعلى مَن يرغب فى الانضمام للقسم الآخر فهى حريته التى لا ينازعه فيها أحد مطلقاً!

ثم يتم تقسيم مرافق النادى بالعدل والتساوى، ولنحمد الله ـ عزَّ وجل ـ على أن النادى به الكثير من الحمامات والمطابخ حتى لا تحدث نفس المشكلة التى حدثت للشقيقين المتنازعين على ميراثهما من شقة المرحوم والدهما!

أما الفرق الرياضية فيتم تقسيمها أيضاً بالعدل والتساوى، ففريق الكرة مثلاً، يذهب نصفه لـ(المحامى) وخاصةً اللاعبين الذين اشتراهم أثناء ولايته، بما فيهم (هيما) "حبيبه".. والنصف الآخر يلعب لنادى الزمالك الذى يرأسه (الصحفى) وخاصةً اللاعبين الذين على خلاف مع (المحامى) وأولهم "أبو توكة" كما سماه (المحامى)!

وعلى سبيل تقديم الاقتراحات للجنة المسابقات، وضماناً لعدم فشل بطولة الدورى العام مستقبلياً، فمن الممكن أن يلعب الفريق الخاص بزمالك (المحامى) مباريات الزمالك الخاصة بالدور الأول للدورى، ثم يلعب الفريق الخاص بزمالك (الصحفى) مباريات الزمالك الخاصة بالدور الثانى، وهكذا!

وبالنسبة لملابس الفريق فلن يكون هناك أية مشاكل، فقد تم حسم هذا الموضوع منذ عدة أشهر، ففريق زمالك (المحامى) سيرتدى الفانلة البيضاء بخطين أحمرين بالعرض، وزمالك (الصحفى) سيرتدى الفانلة البيضاء بخطين أحمرين بالطول (نظراً لأن هذا التصميم قد ظهر فى عهده فقط)!

قد يقول قائل أننا نرغب فى هدم نادى الزمالك بهذه الأفكار "التقسيمية" ونرغب أيضاً فى القضاء على النادى عن طريق تقسيمه كما كان يفعل الاستعمار فى الماضى، ولكننا لا نرغب لا فى هذا ولا ذاك، فنحن لم نقتحم نادى الزمالك، ولم نرفع عليه الدعاوى، ولم نسب رموزه، وإنما كل هذه الأحداث قد تمت من داخل النادى نفسه وبدون أى تدخل منا!

على أية حال قد يقول بعض الزملكاوية المتفائلون، أننا لسنا بأفضل حالاً من ألمانيا وكوريا مثلاً.. على الأقل ألمانيا قد فازت بكأس العالم وهى مقسمة، فهل يفعلها الزمالك؟!

استطلاع الراى


توقعاتك لمواجهة الأهلي ضد مازيمبي بدوري أبطال أفريقيا؟
دوري أبطال أفريقيا - 2024

الفيديوهات الأكثر مشاهدة خلال شهر
تطبيق الأهلي.كوم متاح الأن
أضغط هنا